الجمعة، 30 سبتمبر 2016

تفريغ، وكلام فارغ، واستفراغ

أسبوعاي الماضيين كانا حافلين بالكلام والغضب والتوتّر، والحماس، والفرج بعد الشدّة، وبعض اللّحظات الحلوة. أودّ لو أنّني أستطيع أن أتكلّم عمّا حصل لي بتفصيل وحريّة، ولكنّني لا أستطيع، وللمرّة الأولى أشعر بتهديد حقيقيّ حيال ما أريد أن أقصّه أنا عن شيء يخصّني أنا. يومًا بعد يوم، أدرك كمّ الحبال الّذي يحيط رقبتي في هذه البقعة من الكون، وأرى بوضوح أكبر حبل المشنقة الذي يحيط بالعالم، وأختنق أكثر. أريد أن أعيش بلا سلطة، أريد أن أسكن منطقة حياد، وإن كان الخروج من الكوكب يستلزم ذلك فلا مانع، المهم أن أعيش كما يجب.

لأنّ ما حصل لي في الأسبوعين الماضيين كان قهرًا، ولأنّ عدم قدرتي عن الكلام عنه قهر آخر، كان الأمر.. صعبًا. كنت مقهورة، ولكنّني انتصرت في نهاية المطاف، وكنتُ.. راضية عمّا فعلت مهما بلغت خطورته. رغم أنّني كرهت ما حصل من كلّ قلبي، رغم البكاء، والخوف، والظّلم الفادح، أدّى بي الأمر إلى مراجعة أمور مهمّة، ومناقشتها مع أناس أحبّهم ما كنت لأتحدّث معهم وألجأ إلى مشورتهم إن لم يحصل ما حصل. حصل كذلك وأن رأيت النّار التي في قلبي تتّقد رغم كلِّ ما/من كان يحاول إطفاءها من حولي، وعرفت كيف لتلك النّار أن تتعرّف على ما يشبهها في دواخل الآخرين مثلي، وكيف لها أن تجمع بيننا، وتجعل الأمر لذيذًا رغم الخوف.. كانت كلّ الحواجز تنتفي، وكلّ المقدمات.. كان عندنا هدف. جمعنا الخوف والقهر، واتحدّنا فصرنا نارًا واحدة كبيرة فعلت ما فعلت. انتصرنا أكثر من مرّة. أحبّ ما حصل. أحبّ دوري فيه. وأكره أنّني طوردت وتمّ ابتزازي وتهديدي لأنّني لم أصمت، كما يريدون، عندما وجدت حقّي مسلوبًا وتكلّمت حيال ذلك بوسائل مشروعة ولبقة.

حصل كذلك وأن حصلت تغييرات مفاجئة في جدولي، رغم التخطيط الدقيق الذي أتعبني كثيرًا في الفصل الفائت حتى أصمّم جدولي بطريقة تناسبني.. فعلت المستحيل حتى أنتهي قبل الظهر، فيتسنّى لي الذهاب للعمل بعدها. تغيّرت المواعيد في الإجازة أولًا، ثمّ تغيّر موعد آخر يخصّ مادّة أخرى خلال هذا الأسبوع، وتغيّر موعد ثالث، وأخيرًا، تم طردي من أحد المواد قبل يومين لأنّ على المادّة طلب كبير، ومن يكبرني بفصل أو فصلين أو ثلاثة.. إلخ، قُرّر أنهم أحقّ بالمادّة منّي، رغم أنّني حجزت فيها مقعدًا منذ الفصل الفائت، وكانت متوفّرة للجميع. أخطؤوا بحقّي، ولم يسمحوا لي حتّى بأن أصلح أخطاءهم. كنت أقترح الحلول، وأحاول ألّا ألوم أحدًا، ولم يتجاوب أحد. عشت.. صنوف الذلّ. 
ما أغاظني أكثر وأكثر، هو أنّ أصحاب السّلطة والقدرة على تغيير الأمور كلّها يعرفونني جيّدًا، يعرفون ظروفي جيّدًا، ويحترمونني كثيرًا، ولي معهم ماضٍ ممتاز، وأخطؤوا بحقّي عندما غيّروا ما غيّروا، ورغم كلّ شيء، لم يفعلوا أيّ شيء حيال ذلك،، يقولون أن الأمر خارج عن أيديهم رغم أنّهم هم الأيادي المدبّرة المتحكّمة بالموضوع برمّته. كم هو غبيّ هذا الإنسان الذي يشرّع القوانين ثمّ يقدّسها، ويخبر الآخرين أنّه لا يستطيع تغيير شيء فيها، وأن الموضوع خارج عن إرادته، رغم أنّه هو ذاته من فرضها أصلًا. كم هو غبيّ وأعمى. 
هذه الإنسانة صاحبة الأمر كلّه أمرها عجيب، في كلّ مرّة أراها تثار عندي الكثير من الأسئلة. هي من النّوع الذّي يميّز الصّواب من الخطأ، ويتضامن معك إن كنت محقًا، ولكنّها لا تعترف بالخطأ صراحة، ولا تقوى على تغييره وإن كان الأمر بيدها. تلجأ إلى الاعتذار وإقناعك بأنّ الأمر خارج عن سلطتها، وهو ليس كذلك، ولها أن تغيّر الأمور كلّها بكلمة منها.. أجزم أنّها تعيش صراعًا فظيعًا. هي ذاتها من تشرح بسرعة جنونيّة لأنّها تظنّنا نكره حصّتها، ولا تعطينا فرصة أن نحبّها حتّى،، هي ذاتها من تعاملنا كالأطفال فيما يتعلق بوضوح أسئلة الاختبار، والمشاركة في الحصّة.. تتوقع الأقلّ، ولا تريد أن تعطينا فرصة أن نريها أنّ عندنا أكثر من ذلك، ورغم كلّ الغرابة في التّفاهة التي تتعامل بها معنا، اختباراتها طويلة جدًا، بشكل جنونيّ، و.. تتعامل بصرامة مبالغ فيها مع الكثير من الأمور البسيطة التي لا يتعامل غيرها معها بذات الطريقة. 

انتهى أمر الجداول بطريقة مرضية في اللّحظة الأخيرة، وعدت الله أن أتشبّث بالإيمان ما استطعت، ووعدته أن أثق أنّ الأمر كلّه بيده رغم أنّ أولئك البشريّون الحمقى يمسكون زمامه حسبما يتبيّن للنّاظر، ثمّ حصل أن كانت النتيجة مرضية جدًا. كنت أتوقّع أنّ الفرج سيكون بأن يفتح الـsection المقفل، كنت أنتظره وأحدّث الصفحة كلّ نصف ثانية، ولكنّه حصل بطريقة مختلفة تمامًا. انتبهت في اللحظة الأخيرة إلى خلل يمكن إصلاحه، بالفصول المتاحة، وأصلحت ما ينبغي، وصار كلّ شيء مرضيًا ومفصّلًا على ما أريد. لم أتوقّع أبدًا أن يتشكّل الفرج على هيئة وحي أو انتباه يدلّني على طريق جديد، بدلًا من حلّ للمشكلة التي لم أكن أرى سواها.
-----
صرت عشرين، ورغم أنّ العالم لم ينقلب رأسًا على عقب، والزمان يمشي بذات الرّتم، إلّا أن الأمر ثقيل على قلبي. كلّما تذكّرت أنني (عشرين سنة) دون رجعة، دون القدرة على اللّجوء إلى تاريخ مختلف يجعلني أصغر من تاريخ ميلادي بالأشهر الميلاديّة، أشعر بـ.. شعور مختلف. مزيج من خوف و،، غربة؟ لا أعلم. هذا العمر الكبير غريب على طفلة مثلي. خائفة أنا، أحتاج المزيد من الوقت حتى أصير متّسقة مع هذا العمر المسؤوليّة. لا زلت أجهل الكثير، لا زلت لا أفهم، لا زلت.. غير مستقرّة، لا زال كلّ شيء ضبابيًّا، لا زلت لا أجرؤ على فعل الـ.. كثير. لا زلت أقلّ من عشرين.
-----
صرت لا أطيق من لا يريد أن يغيّر شيئًا غبيًّا فيه رغم علمه بسذاجة ما يفعل، ثمّ يفخر ببلادته! وكأنّها محطّ استعراض، وكأنّ الحياة سترحّب به كما هو، وتفسح له أن يعبر تعقيداتها رغم السذاجات الّتي يتشبّث بها ويفخر. 
-----
أنا "مطيورة" أكثر ممّا ينبغي وعلى ذلك أن يتوقّف. ذُكرت هذه الكلمة على لسان رضوى عاشور في سيرتها الذّاتية، وهي تعني بذلك أنّها "تنسى أغراضها" و"تتكعبل"، ووجدت الوصف من بعدها يصفني بدقّة. لا يمرّ يوم دون أن أصطدم بكلّ شيء مئة مرّة، حتّى مرفقي المصاب.. المسكين، يصطدم كلّ يوم في مكان الإصابة أكثر من مرّة. هذا الجنون لا يعقل! كيف لي أن أصبح امرأة دبلوماسيّة مع هذا "الطّيران" غير المسؤول؟ هف! بالأمس، خرجت ونسيت كيسًا مهمًا في المنزل، عدت وأخذته، ثم خرجت من السّيارة إلى الجامعة ونسيت جوّالي في السّيارة، كلّمت بابا الذي كان بصحبة السّائق في السّيارة وهما متّجهين إلى مشوار مهمّ لا ينتظر بعد أن أوصلاني إلى الجامعة، فعادا من أجلي واستعدته. وضعت الكيس في اللّوكر، وعدت إلى المنزل ومفتاح اللّوكر ضائع، نسيت تمامًا أين وضعته.. هذا لا شيء يذكر أمام المرّات التي كنت أنسى فيها حقيبة المدرسة في المدرسة وأعود للبيت، وحقيبة المدرسة في البيت وأذهب للمدرسة. نسيت مرّة حقيبة المدرسة في المدرسة وكان عندي اختبار مهمّ أذاكر لأجله، ولا أكتشف ذلك إلّا يوم السبت مساءً، وكنت قد تركت الحقيبة في المدرسة طوال الويكند.. كان يحصل كذلك أن كنت أنسى حقيبة المدرسة في المنزل وأذهب إلى المدرسة دونها. كان يومها ينبغي عليّ أن أسلّم واجبًا مهمًا لمعلّمة صارمة جدًا، إلّا أنني دخلت الحصّة، وشرعت في البحث عن الحقيبة، ثمّ تذكرت أننّي نسيتها، فضحكت المعلّمة على هذه الفكاهة العجيبة ولم تطالبني بالتّسليم. كلّ ذلك فضلًا عن قصص التّعكبل العجيبة التي يطول الحديث عنها. كانت إحدى المعلّمات تجزم أنّني يجب أن أصطدم بشيء أو أسقط في المسافة ما بين مقعدي والسّبورة عندما أقوم من مقعدي لأحلّ سؤالًا مكتوبًا في السّبورة بحماس بااالغ، وكنت أسقط كلّ مرة! كلّ مرّة. التّركيز يا ربّ. آمين.

هناك تعليقان (2):

  1. رغم أني أظن أنكِ تكتبين لنفسكِ عن نفسك و أجد شبه رغبة منك في أن لا يقرؤكِ أحد، إلا أني اجد فيما تكتبين دليلاً لروح حية منشغلة في ذاتها اصلاحها تقويمها تهذيبها ، قد تتذمر احياناً قد تنتقد قد تبرم و تعقد تمدح و تثني تتأمل و تتفكر في ذرات ذاتها الى ابعاد الكون الشاسعة تضحك و تحزن و تسعد و تتنكد الا ان كل ذلك مركز على الداخل في مناقشة الاحداث و الذكريات و الافكار، لهذا احرص على قراءة ما تكتبين لاتعلم كيف اوجه تركيزي لذاتي و اتصالح معها كيفما تكون و اقوم منها ما اعوج و اقوي ما ضعف.

    بكل صراحة قل ما قرأت لشخص مثلك وعيه بذاته و انشغاله بها انشغالاً ايجابياً .

    اقبلي فائق الاحترام و التقدير

    ردحذف