الخميس، 26 نوفمبر 2015

الجامعة.. والنّاس

(تنبيه: بعد سنة من كتابة هذه التدوينة وجدت أن الكلام الذي كتبته هنا أجمل من الواقع بألف مرة. أن أردتم الحقيقة فراجعوا التدوينة السابقة)


النّاس. لطالما كانت هذه الكلمة معضلة بالنسبة لي.
في المرحلة الثانوية، كنت أكرر بسخف: "الناس جحيم يطاق، والحياة بلا ناس نعيم لا يطاق"، مستبدلة (الحب) بـ (الناس) في جملة قرأتها مرّة، ووجدت أن السياق فيها مناسب لأعبر من خلاله عن كرهي لوجود الناس ورغبتي بالوحدة. كنت حينها مترفة بكل الناس الذين أحب من حولي، حتى صرت أرى الوحدة ضرورة وهدفًا لم أستطع الوصول إليه. كنت مترفة، وساذجة قليلًا.. لم أكن أفهم.
أنا لا أزعم الآن أنني فهمت كل شيء، ولا أزعم أنني لن أغير القناعة التي توصلت إليها، ولكن..
أظن أنني كبرت كثيرًا، وجربت كثيرًا، وتألمت كثيرًا حتى أفهم ما أفهمه الآن، وأتبنّى قناعتي الجديدة، أو أصف شعوري الجديد بالطريقة التي سوف أصفه بها.

كانت المرحلة الجامعية بالنسبة لي شاقّة جدًا، من حيث كل شيء باستثناء الدراسة ذاتها. الدراسة في الجامعة، في الواقع، سهلة ويسيرة ومقدور عليها رغم الضغط، والحمدلله.
بدأ كل شيء في الجامعة وأنا وحيدة تمامًا، وحيدة جدًا. كنت أزعم أنني أحب أن أكون وحيدة، جديدة في عالم كل شيء، كل شخص فيه جديد.. لا يعرف فيه أحد ماضيّ، لا يعرف من أكون، لا الأخطاء التي اقترفتها ولا السذاجات التي ارتكتبها.. لا أحد سوف يحكم عليّ، وسوف تكون البداية جديدة جدًا كما ينبغي لها أن تكون. أنا حرة من آراء الناس، من أفكارهم، من أحكامهم، حرة بطريقة تسمح لي أن أكبر كما يليق بخريجة مدرسة صارت طالبة جامعة، أن أغير مظهري أو جوهري أو تصرفاتي أو طريقة كلامي أو طريقة تفكيري بالطريقة التي أريد. أن أتخير نفسي الجديدة وأنتقيها وأكُونَها، هكذا ببساطة. هكذا كنت أفكر، وهكذا كنت أظنّ أو أحلم، ولكن..
لم يكن الأمر بتلك السهولة.

في أول فصل دراسيّ لي في الجامعة، صبرت كثيرًا.. تألمت كثيرًا وحدي، وصمتّ كثيرًا. لم أكن أشارك أحدًا لأنه ليس هنالك من أشاركه أصلًا. كل من أعرف كان منشغل بعالمه الجديد الخاص، بالجامعة الأخرى التي تجمعهم كلهم، وينطق عن اجتماعاتهم سنابتشات بطريقة تبدو ممتعة جدًا، وأليفة جدًا، وحنونة جدًا.. بدوني. 
كنت أتعلم كل شيء جديد بطريقة "الدقّات". واجهت كل أنواع الدّقات والخبطات.. وحدي. وحدي تمامًا. وكان ذلك مؤلمًا أكثر مما أحتمل، وتحملته رغم كل شيء. لا الناس هناك كانوا يفهمون، في الجامعة،، لا العائلة ولا صديقاتي القدامى، لا يفهم أحد لأنه لم يشاركني أحد حتى يعاين ما أرى وأسمع. كيف كانت كل "فشلاتي" الجديدة، والصعوبات التي ما تخيلت وجودها، وكل المشاكل، تلك المشاكل التي أتت من اللامكان حتى تزيد الطين بلّة وعفونة ولزاجة: الجدول، سرقة الكتب، سقوطي من فرط التعب، اللّوكر الذي أقفل مرة وسرق مرة.. رغم كل تلك الجِدّة الفاقعة التي حاولت احتمالها واجتيازها والتأقلم عليها، كانت هناك.. أشياء أخرى.
مارست الصمت وأتقنته في عامي الأول؛ العام الفائت. أتذكر أنني في المرات القلائل التي كنت أرى فيها صديقاتي -اللاتي ذهبن إلى جامعات أخرى طبعًا- كنت أخبرهم كم أشتاق الكلام، وكم هو ممتع ومريح أن تشارك صديقًا الأثقال الجديدة التي ترزح كل يوم على كاهلك ولا تفتأ تتجدد وتعود وتجيء. كنت أخبرهم كم كنت أحتاجهم هناك معي. كنت أدرك حزني وضيقي ووحدتي حينما أراهم.

في الجانب الآخر، هناك في الجامعة، لم أكن قادرة على إيجاد أحد. كنت أكره الفكرة، فكرة أن أكوّن صداقات جديدة، أن أفتح الباب وأعطي المجال للكلام، وأن أبادر بالسؤال عن رقم أو حساب في شبكة اجتماعية ما..
الفكرة كلها هو أن ذلك لا يناسبني، وأن الناس كلهم هناك لا يناسبونني.
كلهم.. لا يفهمون. كلهم. كلهم من طبقة مختلفة أو مكان مختلف بهموم مختلفة. كلهم لا يفهمون.
وإن كانوا سوف يفهمون فهم لن يفموا إلا القليل. لا أحد يفهم أن ما يتعبني شيء يختلف عن الدرجة أو المادة أو.. لم يكن ذلك ما يهمني حقًا. كانت هنالك هموم أخرى، وأحلام، ومخاوف وآلام ما كانوا ليفهمونها. حاولت.. جربت.. فتحت الباب، وما حصل. كنت مختلفة جدًا عنهم، وما كنت مستعدّة لأن أحب ما يحبون وأكره ما يكرهون وأتكلم فيما يتكلمّون..
كنت بعد كل اختبار حينما أراهم يتشاركون الإجابات، يتبادلون الفرحة والأحضان و.. كنت أغبطهم بقدر ما أستغرب من قدراتهم العجيبة على خلق تلك الروابط في الفترة الوجيزة التي تعرفوا فيها. وجدت بعدها أن كثيرًا منهم كان في نفس المدرسة، ومن تعرف هذه وتلك، تعرّف الأولى بالأخرى وهكذا.. 
المشكلة أن الدفعة محدودة جدًا، الطالبات قلائل، وأنا عرفت الوجوه كلها وشعرت باليأس، لأنه ليس هنالك أحد منهم يفهم، أو قابل لأن يفهم..

 تعرفت عليها في أول ترم لي، في حصة الحاسب، ووجدت أنها تشاركني ثلاث حصص أخريات. كانت تضع مكياجًا كثيرًا، و"ما فيها حيل تسوي شي" إلا أنها كانت لطيفة. كنا مختلفتين جدًا ولكنّها كانت تستمتع وتبدي رأيها بصدق. أحببتها رغم كل الأشياء التي ظننت أنني لن أحبها فيها. كان يهمّها أن لا ترسب فقط. كانت تقول قبل كل حصة: يلّا نسحب! وبعد كل تكليف تكلفنا به الأستاذة: يا ربييي! كنت أنزعج، ثم صرت أقلدها دون وعي، ثم.. انتبهت. صرت أخبرها أن تتوقف عن الشكوى قبل أن تخرج الكلمة من فمها. تفاهمنا مع الوقت.. تشاركنا هموم الدراسة وأشياء أبعد. أنا لا أعرف شيئًا عنها الآن، أراها من بعيد، نبتسم، وعندما يصادف أن تكون بجانبي دون صديقاتها الأخريات، نتبادل آخر الأخبار في جو حميميّ بين زميلتين قديمتين. ممتنة لأنها كانت موجودة في ذاك الوقت العصيب، كانت متّكئي الوحيد، الشخص الوحيد الذي يخبرني بعد كل برزنتيشن كيف كان عرضي، وأتأكد من خلالها قبله كيف يبدو شكلي، شعري، ملابسي..

في الفصل الثاني جاءت أخرى.. لم تجئ ولكن أرسلها الله لي. ٤ حصص مشتركة صدفة، ثلاث منها هي مواد التخصص في الفصل الدراسيّ كله. تشاركنا كل شيء حول الدراسة، وأشياء أخرى. أدمنت وجود شخص بعدها في حياتي.. لم أعيد أطيق تلك الوحدة المرعبة. ورغم الوحدة، بوجودها لم يعد للوحدة معنى. كانت هناك دائمًا.. نجلس بجانب بعضنا، نعمل معًا في نفس القروب، نتبادل الأسئلة والشروحات والقصص والضحك حتى ينادى على اسمينا لنسكت، تمامًا كما أيام المدرسة. عندما بدأت الجامعة فقدت بعض الثقة، وبوجودها استعدت ثقتي. كنا "نعزز لبعض" كثيرًا ونكمل على أسئلة بعضنا، أو نجيب حتى على بعضنا البعض بصوت عال. كانت صديقة، الدراسة هي العامل المشترك الأول، ولكنها كانت أكثر من ذلك بعض الشيء. هي ليست كذلك بعد الآن، هي أكثر بكثييير. هذه الإنسانة الفريدة الجميلة التي ما تفتأ تدهشني وتضحكني، ربما أتكلم عنها في وقت لاحق بشكل أكثر تفصيلًا.

هذا العام، تغيرت أشياء كثيرة، كثيرة جدًا، من ضمنها أنا. صرت أمشي وأسلم وأسلم وأتكلم وأسلم و.. 
أستطيع أن أقول أنني لم أعد وحيدة. لا أجلس آكل وحدي لأنه دائمًا هنالك أحد ما يشاركني. في كل الحصص، هناك دائمًا (قروب) يريدني، أو أستطيع أن أنضم إليه دونما خجل. كلّ شيء صار أسهل. دفعتي ليست بذاك السوء، وكثير منهم لطفاء جدًا. الكلّ صار صديقي و.. لم أعد غريبة. المكان لم يعد غريبًا. لا أدّعي أنني أشعر بانتماء ما تجاه الجامعة ولكن، ربما يكون هناك شيء يشبهه في قلبي. التخصص ذاته لم أعد أكرهه، لم أعد أشعر أنني ندّ يريد إثبات العكس. القانون أمر ضروريّ.. من المضحك أنني أعترف بذلك وبحثي لهذا الترم أردت من خلاله أن أثبت أن القانون ليس طريق العدالة المثاليّ. اخترت هذا الموضوع حتى أفهم كيف يعمل ذاك القانون، بعدما تشاكل عليّ الأمر من قبل التخصص ومن بعده، وأظن أنني -وأنا لما أكتب النصف الثاني من بحثي بعد- سوف أنحاز للقانون، في نهاية المطاف، بصفته يمثل العدالة في كثير من الأحيان.. نعم ليست كل الأحيان ولكنه يظلّ ضروريّ. لم أفهم هذه الفكرة إلا هذا العام. كل ما كنت أحتاجه هو مزيد من الفهم، وأنا أفهم اليوم أكثر بكثير مما كنت أفهم قبل دخولي الجامعة.

لست أستطيع وصف التفاصيل عبر هذه الأحرف و لا أعرف لماذا، أشعر أنها خاصة جدًا، أو أنها، ربما، لم تنضج بعد. لم تتبلور صورتها في ذهني بطريقة تسمح لي أن أصفها كطرف ثالث بعيد،، كـ (ريزنبول مان).
أنا فقط أريد أن أقول أنني صرت أحب كل شيء أكثر مما سبق، كل شيء يتعلق بكلّ شيء، وأن الأعباء لا أكاد أشعر بها رغم وجودها، وأن الحياة تبدو أجمل بكثير الآن، وكل ذلك يعود إليهم، إلى الناس التي أحب من حولي.. هناك في الجامعة.
هم كثيرون، كثيرون بطريقة يصعب عليّ أن أصفهم بها. كل وجود، كل كلمة، كل مشاركة من أي نوع تحمل عبئًا، وتلوّن الحياة بطريقة تجعلها أجمل وأزهى وأدعى إلى الحياة.

الحياة أجمل بوجود الآخرين.. لا يخدعنّك أحد يخبرك بأن الحياة ممكنة بدونهم. هذا عذر عاجز، واسأل مجرّب.


السبت، 17 أكتوبر 2015

هيه.. أنا أختنق!

أنا أشعر بالاختناق، وهذا كلام مجرد من كل الحلول المفيدة والكلام المنطقي، أحاول به أن أسرب بعض الدخان الخانق وأجد من خلاله فتحة، أي فتحة، مهما كانت حقيرة أو صغيرة أو.. لا يهم.

مسافة لزجة ومائعة ما استطعت يومًا أن أحدد مكاني فيها، بينهما، هي المسافة التي تفصل بين الحياة التي أودّ أن أعيشها، وبين حياتي التي أعيشها كل يوم. حتى أكون صادقة مع نفسي ومعكم رغم كل الإيجابية التي حاولت اجتلابها مع بداية هذ العام الدراسي، أنا لا أحب حياتي تمامًا. ليس الأمر كما قد تظنون؛ أعني، الأمر لا يتعلق بالناس حولي، ولا بشكلي، ولا بوضعي الاقتصادي، ولا بمنزلي.. المشكلة كل المشكلة تكمن في الشيء الذي أقضي جلّ وقتي فيه كل يوم، ومعظم الهمّ الذي يدور بالي حوله: الجامعة، أو لنقل: حياتي الدراسية. لطالما كرهت وضعي الدراسي.. أنا ما أحببته يومًا، وسلوا عني صديقات المدرسة وزميلات الجامعة وأساتذتي في كل مكان. ربما ليس العيب في كل المؤسسات التعليمية التي ذهبت إليها وكانت التزاماتها جزءًا كبيرًا من حياتي، وليس العيب فيّ.. أنا أعلم يقينًا أن هذا ليس عيبًا أعيب به نفسي ولكن.. بعيدًا عن أفكاري السابقة المثالية عن مؤسسات التعليم التي ما فتئت أرددها، وبعيدًا عن كل الانتقادات والامتيازات ودوري المفترض حيال الواقع الذي ينبغي أن أتقبله،، الشيء الوحيد الحقيقيّ الذي أشعر به الآن، وشعرت به دائمًا، هو أنني لا أحب حياتي الدراسية هذه، التي تؤثر بالضرورة على حياتي عامّةً. أنا لا أريد أن أنتقد نفسي ولا الدراسة.. أنا لا أريد أن أتكلم بمنطق تقبلونه حتى، أريد أن أشعر فقط. الشعور أعمق من المنطق على أي حال، والعاطفة تسمو على العقل لو كنتم تعلمون. 

ما يحصل كل يوم تقريبًا هو أنني أسابق الزمن حتى أكمل بحثًا أو أذاكر اختبارًا، أقتصّ الوقت الذي أقضيه في شيء أحبه أو سؤال أبحث من خلفه عن معنى، حتى أكمل أشياء الجامعة وأؤديها على أكمل وجه،، بنيّة من يريد الخلاص من عبء ثقيل يتجدد على ظهره، لا إقبالًا عليها وحبًا فيها. أبرر لنفسي: ما دمت دخلت في هذا المشروع الدراسيّ الذي يلزمني بالذهاب إلى الجامعة صباحًا كل يوم، وسأقضي أربع سنوات كاملات فيه.. على أي حال، فلأؤدّ ما هو مطلوب مني؛ علّي أحظى بشيء من الفائدة المرجوة، كشهادة بمعدل عالٍ أدخل بها جامعة مرموقة مثلًا.. وهذا في الواقع هو كل ما يهمني،، رغم أنني أتحرّى الصدق بحثًا عن السؤال الضالة في كل موضوع بحث يخص مادة ما.. وللأمانة فقط، الشيء الوحيد الذي أحببته من كل العام الماضي هو الأبحاث.

قدر الله أن لا يكون محيط الجامعة مكانًا أشعر فيه بانتماء أو حب متبادل.. حاولت كثيرًا وفشلت المحاولات، وإن كنت لم أحاول بعدُ كفاية، ولكنني أعلم أنه لن يناسبني.. على أي حال. قد يعود السبب إلى المحيط ذاته أو إلى شخصي أنا مثلًا، والأرجح أنه يعود لاثنينا. تحزنني هذه الحقيقة بقدر ما تريحني: أنا لا أنتمي إلى الجامعة، ولا الجامعة ترحب بي. لا المجتمع ولا الأنشطة و.. لا شيء.. لا أجد فيها شيئًا يجذبني أو يستحق مني أن أمكث في الجامعة فترة أطول من الفترة التي أقضيها في الفصول الدراسية. أنا لا أطيقها أتفهمون؟ نعم، أنا لا أطيقها. مع كل الاحترام، أنا لا أحب الجامعة. هل هذه مشكلة أخبروني؟ هل يحب أحدكم الجامعة حبًا صادقًا ينبع من داخله، أو أنه ما فكر صدقًا بشعوره تجاهها، فهو بدلًا من أن يرهق نفسه بالتفكير فضّل أن يسلّم بحبها؟ هيا أخبروني! لا.. لا تخبروني. أنا لن أفعل إن فعلتم.. على أي حال. أقفل الملف. 

إن لم أكن أحب دراسة فيها ولا نشاطًا، لكم أن تتخيلوا أنني كلما فعلت ما فعلت لأجل شيء يتعلق بالجامعة، أشعر أنني أموت! نعم، في كل مرة شيء مني يموت، يتحوّل لونه إلى الرمادي، يذبل ويفقد لونه وبريقه، يحترق فلا يبقى منه إلا.. الرماد. نعم أنا أستفيد رغمًا عني تجاه الجهد الذي أبذله في الحصص الدراسية، وفي المنزل، وأحب المعلومات الجديدة أيًا كانت، وأحب أن ألقى تقديرًا وأن أحاول وأن أتحدّى نفسي في كل مرة ولكن، لم كل ذلك لا يشعرني بالسعادة؟ لم كلما فكرت بالموضوع بشكل جدّي تتجمع الغصص في حلقي وأوشك أن أبكي لفرط الاختناق؟ لم أشعر أن الجامعة تخنقني وتربط أطرافي وتجبرني على تجرع المعلومات؟ أعني.. أنا أبحث عن المعلومة دائمًا وأحبها، ولكن لم كل معلومة تتعلق بالجامعة أنا أكرهها إلى هذا الحد؟ أنا لا أكره تمامًا كل المعلومات المتعلقة بالجامعة، أنا أحب مادة العقود وأستمتع بها تستفزّ عقلي حين المذاكرة، ومع ذلك، رغم كل شيء، أنا أشعر بالاختناق. حاولت أن أنسجم مع واقعي هذا، أن أجعله ينساب فيّ ويذوب.. فأذوب فيه.. ولا أشعر به عبئًا ثقيلًا ولا عقبة تقف في الطريق. لم الذوبان عصيّ عليّ إلى هذه الدرجة؟ لم يستعصي عليّ أنا؟ ما مشكلتي؟ ما مشكلة الجامعة؟ ما مشكلتنا؟ 

وضعوني في إناء ثم قالوا لي تأقلم.

هي مشكلة ليست ذات حلّ أنا أعلم.. هي مسألة وقت وصبر. أنتظر الوقت يمرّ بطيئًا وأصبر حتى ذلك الحين. هل، حتى ذلك الحين، سيظلّ الأمر يخنقني كما هو الآن؟ أخشى أنني في لحظة التخرج سأشعر بحب تجاه المكان وحزن على فقده. إن أتمنى حصول ذلك فأنا أتمنى أن يحصل الآن، ليس حينما يحين وقت الخلاص المنتظر. أخاف أنني بمرور الوقت سوف أتشكل خضوعًا واستسلامًا من فرط الاختناق على الشاكلة التي تليق بطالبة جامعية سعيدة. حينها، ستكون كل الأجزاء فيّ قد ماتت.. سوف يكون رأسي محشوًا بمعلومات قانونية بالشكل الذي يجعل منه مملًا جدًا، وآليًا جدًا.

 قال لي أحدهم شكوت له كرهي لوضعي الدراسي مرة، أنني: ممتلئة بالطاقة، وأن ذلك يعجبه. سألته: وكيف ذلك؟ كيف تجدني ممتلئة بالطاقة وأنا ما فتئت أشتكي ذبولًا واختناقًا؟ أجابني: أنتِ لفرط الحيوية تشعرين بكل ما تشعرين، وتفكرين بما تفكرين. طاقتك تمتد إلى الجامعة حتى أقصاها ثم، لفرط امتدادها، تعود إليك على شكل خيبة. أسعدتني هذه الفكرة جدًا، وشعرت بعدها أنني مفعمة بالحياة. منذها وأنا أخشى أن أفقد الطاقة التي أحبها فيّ ولا أريدها أن تتبدد من هذا الاختناق. في كل مرة صرت أشعر بالعبرة وأتجاهلها عنوة بل وأسخر منها، في كل مرة أبتذل في الذوبان، وأفتعل ابتسامات بلهاء، وأحاول أن أبدو ككل الطلبة السعداء الذين لا يجدون أي مشكلة مع واقعهم ولا جامعاتهم، أشعر أن طاقتي تقصر، ورغبتي في الحياة تضعف. صرت أشعر أنني أريد أن أنتهي فقط، أريد أن أعيش لينتهي هذا الجزء الخانق من حياتي. والمضحك أنني عندما أجدد خيبتي تجاه الجامعة أشعر أنني حية وحقيقية أكثر! الحقيقة هي أن حقيقتي لا تتجزأ من كرهي لهذه المؤسسات التعليمية. أنا حقيقي إذًا أن أكره التزامات الدراسة.

في كل مرة أختلس فيها الحياة بين التزامين جامعيّين، أفرح وأنتشي وأحب الحياة، ويعود الموت يتسرب إليّ حين العودة لذاك الذي أكره ويخنقني. "إنما العيشُ اختلاسُ". لم لا يكون كل العيش من قبيل هذه الاختلاس الذي أحب؟ هل سيكون له ذات المعنى إن كان مجردًا من التزامات أكرهها من قبله ومن بعده؟ أنا لا أعلم حقًا، ولكن أعلم أن للحياة أشكالًا أخرى أجمل من التي أعيشها بكثير، وهي ممكنة الحصول في حالتي أنا، وفي عمري أنا. كل المخططات الحلوة الكبيرة تدمرها، تلك الكريهة. أنا لا أريد أن أبذل جهدًا أقل مما أستطيع.. أريد معدلًا مرتفعًا يدخلني جامعة مرموقة. معدل الثانوي والقدرات والتحصيلي المرتفعين، ما دخلت بهم الجامعات التي رغبت فيها لأن.. *محا أتكلم عن الموضوع طبعًا*.  لست أرغب فيها لكونها جامعات مرموقة، ولا لأنها تدرس موادًا أرغب فيها حقًا.. لأنها، ببساطة، جزء من حلم قررَت نفسي أن تتبناه يومًا. أن أدرس مع نخبة الطلبة من أنحاء العالم عند أساتذة أدرس على أيديهم الكتب التي ألفوها هم.. هذه فرص أحلم دومًا أن أحظى بها. هكذا هو الموضوع لا أكثر. لا أريد أن أقيّم أحلامي الآن ولا أن أدرس أسبابها حتى أغير خطتي في جديتي تجاه التحصيل العلمي الآن، لأن هذا ليس محور نقاش أحلام، هو محور تحلطم من الجامعة فقط.

أنا كل ما أتمناه هو أن لا أشعر أن الزمن يشكّل مشكلة، وأنني في طريقي للبحث عن معلومة تبرق لها عيناي شغفًا، لا التزام يقاطعني ويجبرني على تولّي أمر معلومة أخرى هي كالحجر الثقيل على قلبي. أنا أحصّل علمًا في الحالتين.. دعوني أفعل ذلك على الفطرة، على الطريقة التي يرتاح لها قلبي، ويحفل لها عقلي. أنا أريد أن أشعر أن لا شهادة تنتظرني ويتوقف عليها مصيري رغمًا عن أنفي. أريد أن يكون الموضوع ممتعًا وأحبه لا أكثر. هذا جلّ مناي. أنا أشعر أنني أموت حينما أتذكر الجامعة، وأنا ببساطة، أريد أن أحيا. أخرجوني من هذا السجن، سأطير بعيدًا أعدكم، واسدوا لي خدمة بأن تنسوْا أمري. 

سفّرني ع أيّ بلد.. واتركني.. وانساني. 

انسوني لعام، لعامين.. أوقفوا الزمن الذي سأتوقف عنده حتى أعود لكم بعدها بحلّ. الاختناق يشوّش فكري وأنا الآن، لا أريد إلا بعدًا وصفاءً وحياة تخلو من شيء اسمه الجامعة.


الأحد، 23 أغسطس 2015

نقية؟

لأنها بداية جديدة لا بد لي فيها ولا مناص من وضع تصور جديد لي/لنفسي معها، قررت هذه المرة أن أجرب النقاء.. أن أكون نقيّة، لا ناجحة ولا سعيدة حتى.. أريد أن أكون نقية فقط.

كان عنواني السابق، وشعاري الذي اتخذته لنفسي مع بداية السنة الماضية هو الجنون، وعندما وجدتني غير قادرة على أن أمارسه في تلك الفترة المضطربة، صرت أبحث عن السعادة.. السعادة فقط، كيفما كانت، وكيفما كان السبيل لها.. ولكن يبدو أنني فشلت فشلًا ذريعًا، على أمل أن أنجح هذه المرة التي أظنّ أنني اخترت فيها شعارًا يناسبني، وأحتاج أن أخصصه لنفسي في الفترة القريبة القادمة على الأقلّ.

دعوني أحدثكم عما أقصد بالنقاء هنا.

طيلة السنة الماضية وما سبقها بعدة أشهر، كنت أعاني من فكرتين لا تبرحان بالي ولا تفارق دموعي حضورهما حينما يفتح نقاش يدور حولهما، وهما: (الأنوثة)، و(القانون) تخصصي في الجامعة. وبين هاتين الفكرتين رابط لا ينفكّ، فلا يكاد أن يذكر الموضوع الأول حتى يفتح معه لزامًا نقاش حول الموضوع الثاني.

كنت باختصار -ولا زلت، ولكنني أحاول أن أتحوّل كما يتبين لكم- أشتعل في كل مرة أشعر فيها أن دور المرأة قاصر أو تكميليّ أو غائب، وبررت ذلك مرة بطبيعتها الجبليّة، ومرة بالصور النمطيّة تجاه المرأة في أذهان الرجال والنساء.. حاولت أن أصل إلى حل يرضيني أو جواب يشفي غليلي ولم أفلح. في كل مرة يبرز فيها أخي الأصغر، ويحظى بفرص أتمناها ليس لشيء إلا لأنه ذكر وأنا أنثى، أبكي وأحترق، وألوم نفسي والعالم، وأكره الرجال، كل الرجال، واليوم الذي ولدتني فيه أمي أنثى، حتى أدوخ من فرط البكاء والتفكير فأنام وأصحو ناسية أو شبه ناسية، بقلب هادئ وذهن أكثر صفاء. 

أما موضوع التخصص فلسببين.
 الأول: لأنني أكرهه وأشعر به ليس إلّا دجلًا موضوعًا من قبل أناس عاديين قرروا لهذا العالم أن يأخذ بإجرءات وضعوها حتى يعمل ويسير،، ولكني موقنة بأنه سيقودني إلى ما أريد، وأن به سأملك الأدوات التي أحتاج لأغير ما أغير في هذا العالم..
 والثاني: لأنني أشعر أن أنوثتي تقف عائقًا في طريق التفوق البارز الذي أريده في مجال القانون لأسباب كثيرة، منها أن أمومتي لن تسمح لي أن أمضي وقتي كله خارج المنزل كما يتحتم على امرأة تعمل كسفيرة مثلًا، أو كممثلة مهمة في مجالس مهمة،،
 ولأنه حسب دراسات علم نفس كثيرة، فالمرأة ليس لحضورها القوة التي يتحلى بها الرجل -ليس لشيء إلا لأنه رجل- في نفوس الرجال والنساء.. لأن المرأة ليست الإنسان المؤهل لشغل منصب قياديّ، فالسبل لا تتيسر لها أولًا، وإن شغلت أحد هذه المناصب صدفة أو معجزة، فلن يكون لحضورها قوة كالقوة الذي ستكون للرجل ثانيًا..
 والكلام في هذين الموضوعين (الأنوثة والقانون) يطول.

(تنبيه: بعد سنة من كتابة هذه التدوينة تغيرت أفكاري حيال قضية المرأة بشكل كبير، صرت أفهم أكثر. الكلام المكتوب أعلاه لا يمثلني الآن، فمشّوا حالكم)

إلا أنني الآن، أشعر أنني تعبت.. تعبت كثيرًا، واستنزفت طاقتي في نقاشات وأبحاث لن تعود عليّ بما أريده ويطمئنّ معه قلبي. تعبت من كل شيء أشدّ معه أعصابي وأحاول بشراسة أن أفوز فيه ولا أفوز، أن أفهم فيه ولا أفهم، ليس في الموضوعين المذكورين آنفًا فقط، بل في كل شيء.

تعبت أن أحاول أن أكون الأولى ولا أكون الأولى، أن أريد شيئًا معينًا بذاته ولا أحصل عليه بذاته، أن أكون كاملة في كل شيء ولا أكون كاملة في كل شيء، وإن كان لابدّ مع جهدي المبذول أن أتفوق على الجميع ولكن.. ما إن ينتهي كل شيء وأعود بعدها، لا أشعر أنني حصلت على ما أريد تمامًا. أشعر أن الحروب الضروس التي خضتها لم تكن ذات قيمة حقيقية كما ظننت.. لم تكن تمامًا ما أريد، ولم يكن، تبعًا لذلك، كل الجهد المبذول فيها ما كان ينبغي أن أبذله.. أشعر بقواي قد خارت وأنا ما فعلت شيئًا عظيمًا ولا إنجازًا كبيرًا، ولم أصل حتى لقناعة أنام وأصحو معها بهدوء و..قناعة!

---

أتأمل حولي كل يوم في محاولات لأن أفهم هذه الحياة العصية.. ويتناهى إلى فكري كل مرة، مع كل تجربة، أن الحياة ليست كما نريد لها أن تكون. ليست بالسهولة التي نظنها ولا بالصعوبة التي نخشاها، ليست بالجمال الذي نتمناه ولا بالتعاسة التي نزعمها. هي لغز، شيء مبهم، لا شيء فيها يشبه ١+١=٢ أبدًا.. هي رموز وأشياء طائرة ومعانٍ خفية وكلمات كثيرة تختبئ بين السطور وخلفها وحولها. هي مصممة بطريقة لا يدركها إلا القلب، ولا يفكك مداخلها ولا مخارجها إلا الحكمة. الحكمة! "الحكمة ضالة المؤمن" وضالتي.

الحكمة كما عرّفتها لنا كتب المدرسة: هي وضع الشيء في موضعه.. هذا تمامًا ما أريده، وأظن أن النقاء هو الخطوة الأولى للوصول إليه.

 أن أكون نقية يعني أن أسعى دومًا إلى كل شيء صالح أجده متاحًا، وأسعى لكل عمل خيّرٍ أستطيع إليه سبيلًا. أن أكون نقية يعني ألا أحارب الظروف وأمشي على عكس التيار حتى أنفذ فكرة سقطت على قلبي كوحي من السماء، أن أفكر نعم، وأن أحلم نعم، ولكن في نفس الوقت، أن أوظف المتاح لتحقيق ما أريد، وأن أصنع مما لديّ نجاحات صغيرة أعبر بها تدريجيًا إلى النجاحات الكبيرة.

 أن أكون نقية يعني أن أحب المكان الذي أكون فيه، وأحب الناس الذين يحيطون بي، وأن أحاول بوجودي أن أسدّ كل ثغرة، وأصلح كل خلل، وأن لا تكون طموحاتي العالية ولا أحلامي الرفيعة سببًا في تعاستي؛ لتعثري عن الوصول لخطواتها الأولى بسبب ظروف.. غبية وغير مقنعة!

أن أكون نقية يعني أن أكون مائعًا، ليس سائلًا بل غازيًا.. أن أكون مرنة بالطريقة التي إن واجهني فيها جدار استطعت أن أنفذ من الفتحات الموجودة فيه، وإن كانت كل الفتحات فيه مطموسة، أستطيع بكل مرونة أن أبتسم في وجهه وأدير وجهي بحثًا عن مخرج جديد. أن أكون نقية يعني أن لا أتشبث بفكرة واحدة، ولا بمكان واحد، ولا بشخص واحد ولا حتى بمظهر واحد. أن أكون بلسمًا أينما حللت ومحضر بشرٍ وفأل أينما قدر لي أن أكون. 

أن أكون نقية يعني أن أحب كل صغيرة تحيط بي، أن أشعر بوجود كل الأشياء، وأحفل بها، وأشعر أن حضورها في حياتي هبة ونعمة ومنّة وفضل جزيل أعجز عن شكر الله عليه. أن أحلّق في كل السماءات وأبصر كل الأنوار وأبحث عن أي مخرج، وأحفل بكل مخرج، وأشكّل الصلصال إن توفر لي صاصال لأصنع منه أجمل فخار، أو أنحت الحجر إن توفر لي حجر لأصنع منه أجمل تمثال، أو أرسم بالريشة إن توفرت لي ريشة لأصنع بها أجمل لوحة، أو أكتب بالقلم إن توفر لي قلم لأكتب به أجمل نص. أن أزهر حيثما زرعني الله، وأضع نفسي في الموضع المتاح لها، وأعيش "الحكمة" بعقلي وجوارحي وإمكانياتي كلها.

بعد اطلاعاتي البسيطة على سير من يعجبني إنجازهم في هذا العالم، وجدت أن هذه الإنجازات كانت فرصة في الطريق، وكان من حظِيَ بها نقيًا كفاية ليفوز بها. لم تكن شيئًا مخططًا له منذ الصغر ولا حلمًا يراود أصحابها، إنما جاءت بسبب هواية أو شغف أو صدق خالص أو حرقة على حق أو دماء أو مبدأ. كان هؤلاء الناجحون -الذين أحبهم وأعجب لهم أنا- ببساطة، أنقياء!

جان فالجان، في رواية البؤساء التي تحكي قصة الثورة الفرنسية، شخص نقيّ جدًا، ولربما كان هو الذي فتق هذه الفكرة التي كان تصول وتجول ولم تجد لها ترجمة لائقة كالنقاء. جان فالجان يساعد الكل، أيًا كانوا. هو محضر خير حتى لأعتى الناس وأكثرهم شرًا وإجرامًا، سخر نفسه للخير كان ظاهرًا أم متخفيًا، شريفًا بين قومه أم ملاحقًا ومطاردًا، كان المال الذي معه كافيًا أم غير كاف، كان قائدًا أم مقادًا، كانت الفجوة الذي يسدها مالًا ينفقه أو حجرًا يرفعه أو صوتًا يصدره أو نفسًا يكتمه أو دمية يشتريها لطفلة ضالة، أو قيادة جيش. كان يفعل ما يستطيع، في المكان الذي يضعه فيه القدر. كان نقيًا جدًا وأعجبني نقاؤه وأحسست به ضالتي التي ما فكرت يومًا أن أتمثلها بهذه الطريقة.

سأجرب ترك التصميم، والتشبث بالأشياء والأفكار، والخوض في الحروب الضروسة والنقاشات العقيمة. سأجرب أن أغلب الصمت على الحديث، والعمل على التنظير، والابتسامة على الشرود والنظر في اللاشيء. سأحاول أن أحاول بحب وألا أشعر بأن الوقت أزمة ومصدر قلق، فالنقاء لا وقت له يبتدأ معه أو ينتهي، هو دائم وسائر وماضٍ مع صاحبه حيثما مضى. أريد أن أغسل قلبي وأملؤه تزامنًا مع ملء عقلي وشهاداتي.. وإن كان ولا بد، فليطغى ما أغسل به قلبي على أي شيء آخر.

ليس النقاء هدفًا أخصص له جزءًا من وقتي، هو شعار دائم ولكن في هذه الفترة على الأقل، أريد أن أجربه وأن أعيش به بكامل كياني.. علّ هذا القلب أن يهدأ، وهذه النفس أن تفهم، والمسافة بيني وبين الله أن تتضاءل وتمحى.. فأشعر بي قريبة أسير كما يريد لي الله أن أسير، وأملأ الفراغ الذي يريدني الله أن أملأه، وأبصر ما يريد لي الله أن أبصر، وأشعر أن قلبي يضيء بنور منه، وجوارحي تسير على نور منه.. وهذا جل مناي.

يا رب النقاء، أسألك نقاء لا يتبدّل ولا يتلون، ولا يلطخه لوث هذه الدنيا وغبارها.




الأحد، 5 يوليو 2015

أحنّ






كل شيء فيها كان مثاليًا.. كنت سعيدة وحرة، وقلبي دافئ رغم البرد القارس. كان قلبي دافئًا، ومنتعشًا وجديييدًا. كنت جديدة! كل الوجوه كانت جديدة، والمكان.. السماء والبحر والأجواء والطيور وأنا.. كل شيء كان جميلًا هناك، كل شيء. جميل وجديد وبارد ودافئ وباهت وأزرق وباسم. أتذكر كل الصباحات هناك، لم تكن حقيقية صدقوني! وأنا جالسة على بحر مرمرة بشرشف الصلاة أقرأ أذكار الصباح.. قدماي الحافيتان على رمال الشاطئ، عيناي على البحر والسماء والطيور والأفق، وأنفي أحمر ومتجمد، أتأمل وأبتسم وأدعو..




في نهاية كل يوم كنت أعود مثقلة بالمعلومات والهمّ، متفاجئة من الغياب الذي كنت فيه.. لمَ لمْ أكن أعرف كل هذا، وأشعر بكل هذا؟ أين كنت؟ ويكأنني ما كنت جزءًا من العالم، ولا كنت أسكن ذات الأرض! ولأن الهم عندما أعود وأفكر يتضخم ويكبر فيفيض، أذهب إلى البحر. يعود الجميع إلى أسرّتهم وأفرّ أنا إلى البحر.. بحر حالك السواد، لا تميز ماءه عن ترابه إلا بالصوت. رمال باردة وماء متجمد ورجل حافية لا تكاد تشعر بأي شيء لفرط البرودة. كانا باردين وكنت أحبهما. أمشي حافية، أذهب وأعود.. أصطدم بصخرة مرة، وبطوبة مرة أخرى، أتحسس الجرح بيداي. لايهم.. أكمل السير. أجلس على الرمال تارة، وعلى الدكة تارة وأصابع قدماي على الماء، وأمشي على المياة تارة حتى تتجمد قدماي فلا أعود أستطيع أمشي. أتحسسها وأضحك! قدماي صخرتان، رفاء تعالي شوفي! تأتي من بعيد.. جاءت لتطمئن كعادتها. نجلس سوية في الظلام الدامس على الدكة ونتحدث كثيرًا.. نمشي ونعود فنجلس. كم أحبها هذه التي عرفتها بالأمس! تأتي أختها لتطمئن هي الأخرى فتستحيل الخلوة من بعدهما ويحلو كل شيء ويغدو مضحكًا. 

نعود إلى غرفتنا في وقت متأخر جدًا لننام.. تفشل محاولاتنا في النوم من كثرة الكلام والضحك. نجهز ملابسنا لليوم التالي، تنامان وأنام بعدهما.. ولا ألبث أن أنام لأستيقظ على أذان الفجر. نمت ساعتين أو أقل، أصلي وأسبق الجميع وأذهب هناك.. إلى البحر. كم هو فاتن والشمس لما تشرق. ينادونني لأشاركهم المشي، أهز رأسي موافقة وأكمل خلوتي.. ينادونني للإفطار.. أهز رأسي ثم ألحقهم على مضض. كل شيء جميل؛ أعني كل شيء. الوجوه والمناظر و.. القلوب. كان يشغلنا هم، نتحدث ونضحك ونسمر حوله. الجميل في الموضوع أن كل ما حصل هنالك لم يكن عبثًا ولا ترفًا ولا متعة فارغة.. كنا منشغلين بشيء حقيقي في مكان ساحر. هكذا هي تركيا، تجمع كل شيء. تجمع البحار والقارات والجنسيات والأديان، والدنيا والآخرة!

أفتقد كل شيء هناك، بكل تفاصيله.. كل الناس، كل العيون، كل الكلام، كل الضحك، كل البكاء، كل الأماكن والأجواء.. والهمّ.. 

ما أصعب أن تشتاق لحظة.. شيئًا من الماضي ولا يكون إلا في الماضي.. أن تشتاق جوًا كاملًا، بأناسه وأماكنه وذكرياته والتفاصيل التي كانت فيه، وشعورك الذي كنت تشعر به وقتها. اللحظات لا تعود، هي تمضي وتنقضي إلى يوم القيامة. أنت لا تستطيع أن تبعث لها برسالة شوق ولا حتى أن تستعيد بعضًا منها. فورما تنقضي كل شيء يتغير ولا يعود. كل الناس فيها يذهبون ويتفرقون، والأماكن يسكنها أناس جدد، والشعور فيها لن تستعيده إن ذهبت هناك ولا إن رأيت أصحابها المتفرقين وإن حاولت.. شعرت به وانتهى. أحببتَ اللحظة ولكنها لن تعود.. لا يكفيها حبك أن تعود!

عندما تشتاق لحظة مضت وانقضت، ليس كما تشتاق شخصًا راحلًا تحت الأرض، فمكونات هذه اللحظة لا تزال موجودة ولكنها تفرقت، موجودة فيزيائيًا ولكن المعنى.. ذاك المعنى الذي جمع كل مافيها معًا غاب وانقضى ومات. أنت تعلم أن كل شيء فيها موجود في مكان ما، ولكنك تعلم أن اجتماعه مرة ثانية بذات الروح مستحيل، بذات الجدّة والدهشة والجمال والبريق! بذات البريق. تتمنى لو ينسى الكلّ كل ما حصل حتى تعود فتجمعهم في لحظة شبيهة من جديد، أو أنها ما حصلت وما كانت حتى تحصل وتكون.. أن تترقبّها، لا أن تنعتها وتبكيها وتشتاقها وتحنّ وتأنّ ولن يبالي بهلوساتك أحد، فمن تشارك شكواك وما عاش تلك اللحظة سواك؟

التعامل مع الوقت قاسٍ هكذا دائمًا. ما مضى منه يذهب بغير رجعة، وما هو آت يخبئ خلفه ألف سر ولغز، واللحظة الآنية لا تنتظر! تصرف معها الآن وإلا رحلَت. ماذا لو كنت متعبًا في الوقت الذي ينبغي أن تكون فيه نشيطًا؟ ماذا لو كان مزاجك سيئًا في الليلة اللي تسبق اختبارك؟ لا يهمه، هذا الوقت، هو يمضي فقط.
لو أن اللحظات تتجسد، تتوقف، يعود الزمن فنستعيد طعمها وشعورها حتى نملّ منها فننتقل إلى غيرها مما نشتاقه.. لو أن لنا الخيار في أن نختار لحظة تحتوينا ونعيش فيها. لم أطلب أن أصمم لحظتي بالطريقة التي أريد، أريد أن أستعيد واحدة كانت موجودة مَرة، وحية وحقيقية.. هل هذا مستحيل؟ هي كانت موجودة، موجودة جدًا! 

ولكن اللحظات تمضي ولا تعود.. والناس يتفرقون، ويتغيرون، ويكبرون، وتبقى الأماكن ثابتة في مكانها، مفرغة من المعنى الذي نحب، ممتلئة برائحة الماضي وذكرياته.. 

تحاول أن تتحسس جدرانها وبلاطاتها وأسقفها، تستجدي كل شيء فيها أن يأتي بما كان آنذاك.. تتمنى لو أن لك عصا ساحر تلبس كل شيء رداءه القديم، الرداء الذي تحب. تتلون الجدران، يعود الناس، تعود الروح، تعود أنت الذي كنت وقتها، ويعود قلبك الذي كان، ليشعر بذات المشاعر التي كانت.. بدون الهموم الجديدة والأفكار الجديدة والأثقال الإضافية و.. أنت أنت وقتها، وهم هم، والمكان هو المكان.

 لو أن الأجواء تستعاد.. لو أن الزمن يعود، واللحظة تتجمد.. لو..




١٥ رمضان ١٤٣٦هـ

٢ يوليو ٢٠١٥

الأحد، 21 يونيو 2015

في غرفة الانتظار


أسندت ظهري على كتف أمي ونحن جالستان على كراسي الانتظار لما طال فيها الانتظار، بينما كان الصوت ينادي رقمًا رقمًا على الترتيب.. ٥٠، ثم ٥١، ٥٢، ٥٣.. وأنا، وقد فاض بي الملل والتعب والنعاس، أتابع الأرقام مع الصوت بعيناي على الشاشة. فجأة، ينادي الصوت على صاحب الرقم ٢٩. هاه؟ ماهذا.. أنا لم أصدق أن يقترب دورنا. كيف له أن يعود فينادي على الرقم ٢٩؟ ينادي الصوت بعدها على الرقم ٢٦! أوه هذا ما ينقصنا، نتحمل تأخير من سبقنا ويزداد الوقت امتدادًا على امتداده دون ذنب منا نحن الملتزمون! ألم ينقضي دوره؟ ألتفت إلى صاحب الرقم ٢٩ وهو يقوم من مكانه. أنتبِهُ.. كان صاحب الرقم ينتظر في الغرفة قبلنا. لم يأتِ متأخرًا إذًا، ربما كانت تنقصه ورقة أو صورة أو.. وهذا هو النداء الثاني على رقمه. على أية حال، كان عليه ألا ينسى، إنه يضيع وقته ووقتهم ووقتنا. 

أتساءل: لم لا تكون قوانين المعاملات الورقية بالصرامة التي ينتفي معها احتمال حصول خطأ أو تأخير في أوراق العملاء، فلا يتأخر الدور على أحد من المنتظرين وتمضي المعاملات سريعًا؟ ولكنها صارمة كفاية.. سهر أبي ليلة الأمس وهو يعدّ الأوراق ويعيد عدها ليتأكد من اكتمالها.. إنها صارمة حد الإزعاج.
لم لا يزال الناس يتأخرون ويخطئون إذًا؟ ألم ينبغي أن يكون كل شيء منظمًا منذ البداية، واضحًا منذ البداية، صارمًا جدًا من البداية! ماهو دور هذه الجهات التنظيمية؟ ما دور القانون هنا؟ ألم يأتِ ليوضح ما تتطلبه المعاملات، ويضمن صحة سيرها فينتظم الناس منذ البداية ولا يهفو أحد؟

التنظيم! المُنَظَّم لا يحتاج إلى تنظيم. الكمال لا يحتاج إلى تنظيم. البشر يخطئون ويصيبون، ويهفون مرة، وينسون مرة، ويمرضون مرة فيضطرون إلى الغياب، ويحصل أمامهم حادث مرة فيتأخرون عن مواعيدهم. الناس هنا ملتزمون نعم، ولكنهم لن يكونوا أكثر التزامًا مما هم عليه إلا إن تحولوا إلى آلات لا تخطئ، ولن يكون النظام أكثر صرامة إلا إن كان مرعبًا حد استعمال البنادق على كل المتأخرين والمخطئين.
أتذكّر وأربِطُ بين هذا وذاك مستعيدة تعريف لفظة القانون التي ما خلا منها اختباري الأول في الجامعة: جاء النظام/القانون لينظم حياة الناس أولًا ويسهل سيرها، ثم يتعامل مع الحالات الخارجة عن إطارها كلٌ حسب ظرفه وحالته. وما دام الناس ناقصين، فلن تكون الحياة المنظمة كاملة مهما بلغت من التنظيم. حتى الملتزم عليه أن يتحمل نتائج أخطاء غيره من المتأخرين، لأنه سيخطئ مرة وسيتحمل غيره عبء تأخيره دون شكوى.

أرفع رأسي عن كتف أمي، أعتدل في جلستي وأفكر: ولكنهم يقولون أن هذا الكون كامل، وأن كل شيء فيه يسير بدقة متناهية، وبنظام دقيق جدًا.. كيف نفسر هذه الفوضى إذًا؟

كنا نأخذ في مادة الكيمياء في المدرسة أنه عند حساب كمية محلول قبل التجربة، ومن ثم حسابها بعد التجربة واكتشاف حصول نقصان في كمية المادة المجربة، فهذا النقصان ليس آتيًا من فراغ، إنما لأن جزءًا من هذه المادة تبخر فتحول إلى مادة غير مرئية توزعت في الهواء حولنا، ولكنها لا تزال موجودة! نحن برؤيتنا المحدودة من يرى غيابها على شكل نقص.

إن كل ما يغيب عن أعيننا لا يعني أنه غير موجود، وكل نقص في اعتباراتنا ليس نقصًا بالضرورة، ومحدودية قدراتنا لا تعني أن العالم يقف عند حدودها، وعند الإشكاليات التي نعجز عن حلها وفهمها، وغياب الحكمة عن عقولنا لا يعني أن الحكمة منعدمة. هذ العالم العجيب مترابط بطريقة دائرية أو أكثر تعقيدًا، كل شيء فيه محسوب وموزون، كل نقص فيه يعني زيادة، وكل زيادة نقص، وإن اختلف نوع الزيادة عن نوع النقصان والعكس، وإن أدركنا أحدهما وعجزنا عن إدراك الآخر..
 فربما يكون النقصان محسوسًا والزيادة معنوية، ربما يكون النقصان دنيويًا والزيادة أخروية، وربما يكون النقصان عليك اليوم، والزيادة لآخر، ثم تكون الزيادة لك غدًا، والنقصان عليه..

 العدل في هذه الدنيا العجيبة لا تعرفه موازين البشر ولا حساباتهم ولا معادلاتهم، ولا تستوعبه عقولهم القاصرة. نحن لن نفهم أبدًا مقدار الكمال الذي يسير عليه الكون وتسير عليه الأقدار بعقولنا البشرية ما حيينا، كل ما نستطيع أن نفعله حتى نتعامل مع هذه الموازين بأفضل طريقة ممكنة، هو أن نؤمن.. أن نؤمن فقط بعدل مدبرها وعلمه وإحاطته بكل الزيادات والنقص والأزمنة والمستحقات، وأن نفهم بعدها أن الإنسان على ما يبدو عليه من نقص واستهتار وتغافل-، إلا أن تصرفاته تصبّ في هذه الأقدار الدقيقة، وأنه، في النهاية، جزء من هذا الكون الكامل.

كان يقول سلمان العودة: تخيل لو أنك تشاهد فيلمًا لمخرج تثق به.. كل حدث ستشاهده في بداية الفيلم ولا تفهمه أو لا يعجبك، لن تستبق الأحداث من بعده وتقفل الفيلم متضجرًا بسبب حدث وجدته مبالغًا فيه وغير مرضٍ، لأنك بثقتك بالمخرج، تعلم يقينًا أن حدثًا ما آتٍ سوف يقلب الموازين، ويعيد الأمور إلى مجراها المنطقيّ الذي يقبله عقلك ويرضاه قلبك، وأن ذاك الحدث الشاذّ الذي ما راق لك هو جزء من قصة متكاملة لما تنتهي بعد. ولله في تدبيره وشؤونه وتصرفاته المثل الأعلى.

تمتاز خلقة الإنسان بثنائيتها: الجسد والروح، وتمتاز حياته ببُعديها: المادي والمعنوي، ويمتاز المؤمن فينا بإيمانه بالعالم الغيبي كإيمانه بالعالم المحسوس والمشاهد أمام عينيه، وإيمانه بالتدبير من خلف عالمه المحسوس هذا،، كما يمتاز الإنسان بنسيانه وهفواته وتجلّياته وفرادته. الإنسان ليس آلة، وكل روح، كل تصرف، كل تفكير، كل ذاكرة، كل حياة تختلف عن أخراها.. لا يمكن لواحدة فيها أن تكون كالأخرى، كما لا يمكن لها أن تسير في خط مستقيم يُرسم لها ويفرض عليها، إلا أن خلاصة كل تلك الحيوات تشكل وجودًا متكاملًا وإضافة فريدة للكون كل يوم. كل فعل ظاهر، وكل فعل خفي.. كلها تكمّل بعضها. ونحن إن أردنا الكمال وفق ما نشاهد فقط، كمالًا ماديًا محسوسًا.. فنحن لا نريد لهذا الإنسان إلا أن يتصرف كآلة مثالية أولًا، ونحن بذلك، ثانيًا، نلغي ما يمتاز به الإنسان المؤمن من إيمان بما وراء المحسوس، وتسليم لهذا الرب المدبر.

لن تكون الحياة كما الحياة إن لم يخطئ صاحب الرقم السابق في ندائه الأول، ولن يكون النظام الصارم إنسانيًا إن لم يدع لعملائه مجالًا للخطأ والتصويب والنداء الثاني، ولن يكون الإنسان إنسانًا مؤمنًا بالغيب، موقنًا بالحكمة وراء الأقدار.. بكمال الكون رغم نقصانه الظاهر له، إن كان يظن أن كل ما لايروقه في هذا العالم مجرد عبث وفوضى مزعجة.

الثلاثاء، 16 يونيو 2015

بسم الله الرحمن الرحيم

حاولت أن أكتب مقدمات تليق كمقدمات، وفشلت..
كلما شرعت في كتابة مقدمة، وجدت نفسي أرص التبريرات المطوّلة للبدء في مشروع كتابة،، ثم أحجم عن إكمال ما أبدؤه عندما أرى تبريراتي غير قوية كفاية.

ولأنني مالم أبدأ الآن، فلن أبدأ أبدًا.. هذه المدونة تبدأ. الآن! هكذا دون مقدمة، أو دون مقدمة لائقة.

سأكتب كل ما يخطر لي على بال، دون قيود أو تفكير مسبق أو تنقيح أو.. ليكن ما أكتبه في هذه المدونة الشيء الوحيد الذي أفعله دون أن أفكر، أو أن يكون لي دافع حقيقي وراءه..
لأجرب هذه المرة أسلوبًا جديدًا، أكتشف فيه الدافع بعد أن أشرع في العمل،، أفهم فيه صنعتي عندما أفرغ منها، ليس قبل أن أبدأ فيها.

أريد أن أستعمل الكتابة كفنّ يدهشني، أن أصنع كل مرة بها تحفة لا تشبه سابقتها، ولا تشبهني بالضرورة.

أريد أن أعبر بها فضاءات شاسعة، وأدخل بها أماكن لا أجرؤ على الولوج فيها في عالمي الجادّ الخطير الضيّق الخانق هذا

أريد أن أكون بها حرّة كفاية، حرة جدًا. لا ألوم فيها نفسي أبدًا.. أن أكتب، ثم أحكم على المكتوب وكأنه ليس مني، وكأنه لا يخصني.
أريد أن أرى أفكاري مجسّدة، مرسومة، مكتوبة.

 أتصدقون؟ لم أجرب أن أرى فكرة لي مكتوبة على ورق/شاشة في غير مواقع التواصل الاجتماعي.. أريد أن أفعل ذلك هنا، في مساحة أرحب، تحت عيون أقلّ، بحرية أكبر.. بحرية تامة.

أريد بالكتابة أن أطير! هذا كل ما أريد.


أوه. أخيرًا سأبدأ.

فليشهد العالم أنني في آخر ليالي شعبان من عام ١٤٣٦هـ، يوم الثلاثاء.. أنا سأكتب كلامًا طويلًا مسترسلًا، أخيرًا، دون حساب أي حساب لأي أحد/فكرة/تخوّف من الزلل أو الخطأ أو التعرّي أو الظهور بمظهر ساذج أو.. فليذهب العالم إلى الجحيم، أنا أريد أن أطير!


أراكم في أحاديث طويلة جدًا! =)